{وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آَنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16)}{وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} هم المنافقون، وإفراد الضمير باعتبار اللفظ كما أن جمعه بعد باعتبار المعنى، قال ابن جريج: كانوا يحضرون مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسمعون كلامه ولا يعونه ولا يراعونه حق رعايته تهاونًا منهم {حتى إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ العلم} أي لأولي العلم من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وقيل: هم الواعون لكلامه عليه الصلاة والسلام الراعون له حق رعايته من الصحابة رضي الله تعالى عنهم {مَاذَا قَالَ ءانِفًا} أي ما الذي قال قبيل هذا الوقت ومقصودهم من ذلك الاستهزاء وإن كان بصورة الاستعلام، وجوز أن يكون مرادهم حقيقة الاستعلام إذ لم يلقوا له آذانهم تهاونًا به ولذلك ذموا والأول أولى، قيل: قالوا ذلك لابن مسعود، وعن ابن عباس أنا منهم وقد سميت فيمن سئل وأراد رضي الله تعالى عنه أنه من الذين أوتوا العلم بنص القرآن، وما أحسن ما عبر عن ذلك، و{ءانِفًا} اسم فاعل على غير القياس أو بتجريد فعله من الزوائد لأنه لم يسمع له فعل ثلاثي بل استأنف وأتنف، وذكر الزجاج أنه من استأنفت الشيء إذا ابتدأته وكان أصل معنى هذا أخذت أنفه أي مبدأه، وأصل الأنف الجارحة المعروفة ثم يسمى به طرف الشيء ومقدمه وأشرفه، وذكر غير واحد أن آنفًا من ذلك قالوا: إنه اسم للساعة التي قبل ساعتك التي أنت فيها من الأنف عنى المتقدم وقد استعير من الجارحة لتقدمها على الوقت الحاضر، وقيل: هو عنى زمان الحال، وهو على ما ذهب إليه الزمخشري نصب على الظرفية ولا ينافي كونه اسم فاعل كما في بادىء فإنه اسم فاعل غلب على معنى الظرفية في الاستعمال، وقال أبو حيان: الصحيح أنه ليس بظرف ولا نعلم أحدًا من النحاة عده في الظروف وأوجب نصبه على الحال من فاعل {قَالَ} أي ماذا قال مبتدئًا أي ما القول الذي ائتنفه الآن قبل انفصالنا عنه، وإلى ذلك يشير كلام الراغب. وقرأ ابن كثير {ءانِفًا} على وزن فعل {أولئك} الموصفون بما ذكر {الذين طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ} فعدم توجههم نحو الخير {واتبعوا أَهْوَاءهُمْ} فتوجهوا نحو كل ما لا خير فيه فلذلك كان منهم ما كان.